الجمعة، 9 نوفمبر 2012

مبادئ تدافعنا الحضاري


نعني بالتدافع /السلام الإسلامي : ذلك التدافع المنشود للأمة الإسلامية حضاريا وبطليعة المنظرين الكبار ليقظتنا الإسلامية : وذلك بهدف المساهمة الفاعلة في نشر كل قيم الرخاء المادي والأخوة الإنسانية والقيم الإسلامية كلها في العالم : وبكل المناهج التي يبيحها ديننا الحنيف :دون اقتصار على جهاد دون جهاد أو منهاج دون منهاج : فغنى الإسلام متميز بتنوع مناهج كل مدارسه الإصلاحية لحد إختلاف حتى مذاهبه الفقهية السنية والشيعية : والأمل يبقى مساهمة مدرستنا كباقي المسلمين في دعوة كل الناس لكنوز إسلامنا الحنيف:
ولهذا الجهاد السلمي الذي ننشده العديد من الركائز التي دونها لن يقوم أبدا:
فالعالم معقد بل وإشكاليتنا عقدة من آلاف الإشكاليات ذات الملايين من المشاكل الفردية والإجتماعية والمجتمعاتية والدولية بل والكونية: لهذا فلن نفك هاته العقد بدعوة بسيطة لفقه الحلال والحرام فقط ولا بالتسلق السياسي فقط : بل لا بد من تنظير شامل يسعى لوضع اللبنات الأولى نحو مشروع حضاري لأمتنا ليست الإسلامية فحسب بل كل أمتنا الإنسانية : ففي المستقبل ستدوب حتى الدول الكبرى كما دابت القبائل سابقا:
فالتنظير يجب أن يكون إنساني المبدأ ثابث القيم لكن بمرجعية دوما إسلامية: محتاطين دوما من قبول كل المصطلحات الأجنبية في تنظيرنا بكل عبقرية : فقبول مصطلح واحد ربما سيهدم مستقبلا وبدون وعي منا كل هذا المشروع :
ولهذا يجب أن نحارب العديد من المصطلحات كما نحارب إبليس شخصيا:  فبعض مصطلحات المذاهب الغربية يجب أن نأخذها   بنسبية :لأن حقها دوما يغشاه ضلال باطن : 
فتفنيد المصطلح بات أول عملية يجب قيامنا بها : ولهذا بات على كل من منظرينا دراسة فلسفة لغتنا العربية لتكون لهم قوة بالغة في منطقها: فمنطق اللغة العربية من أكبر قوانا المستقبلية : فمجرد الشرح اللغوي لأي مصطلح يعطيك عربيا عنه كل عيوبه :
والحمد لله الذي أمدنا بهاته القوة : فلم ننسق مع الواقعية المستدرجة نحو الصهينة : ولا مع الرجعية الرافضة للتقدم : لنتشبت بأساسين:
العلمية الحقة : والتي تقرأ جميع أوجه المواضيع لحد فلسفة لغتها
المبدئية الإسلامية : التي ستكون الإنسانية مستقبلا بل ومصيرا أحوج لها من الطعام والشراب.
فهاته مجرد إشارة لمنظرينا الكرام:
ولكم بعض النصوص الجامعة للعديد من مبادئنا التي سنلخصها مستقبلا في بنود بسيطة حتى يستطيع أيا كان تطبيقها بحول الله تعالى وبركاته آمين:
 

المبدأ الأول ـ الإسلام طبيب لنا وللإنسانية جمعاء ولكل حضارة العصر :ومن صفة الطبيب العلمية والحضارة والحكمة، والأخوة لكل الناس ما سالموا مهمته النبيلة..ولن تتم لنا هاته الوظيفة دون تطبيق لفقهنا كله أولا ووعي بفكرناكله ثانيا وإبراز لتميز حضارتنا ثالتا ثم إلمامنا بكل علوم العالم ما استطعنا..وهاته من مستلزمات التجديد الحضاري الذي يجب أن يغمسنا في عبودية الله بالقرآن كله..لا التجديد الذي يخدم الدنيا باسم الدين بوءد كل مميزات الخطاب القرآني..والغاية تبقى دوما إقامة العبادة بكل حضارة..لا التحضر الذي يلصقنا بالدنيا ككل الحضارات المغايرة ولو باسم الإسلام...أو المذهبية التي تحصرنا في زنزانة جماعة أو حزب أو زاوية معينة دون تفتح على الشمس وفتح لكل النوافد..

المبدأ2 ـ وإن من تيسير الله علينا في معالجة الأمور، أن جعل الشريعة الإسلامية التي أكرمنا الله بها شريعة فطرية في مبادئها منطقية في أحكامها قادرة على استيعاب مراحل التطور بأجمعها مستجيبة لحاجيات المجتمعات على اختلاف مستوياتها وأحوالها صالحة للتطبيق في  كل عصر وجيل.....


3ـ وإن الحضارة هي التغيير المستمر للعالم ، و هي فن العمل والسيطرة، وصناعة الأشياء صناعة دقيقة ،وإن حامل الثقافة هو الإنسان، وحامل الحضارة هو المجتمع،ومعنى الثقافة القوة الذاتية التي تكتسب بالتنشئة ،أما الحضارة فهي قوة على الطبيعة على طريق العلم، ووسائل الحضارة هي العلم واللغة والكتابة.. 


4 ـ والحضارة سر الله في حصول العلم والصنائع..ــوازدهرت حضارتنا ــ بحصة من العلوم والصنائع لا تنكر ...فهي ـ ـ ينبوع العلم والصنائع .ـ.فهي ـ غاية العمران ونهاية لعمره.


5ـ  وإن مقياس الحضارة ومقياس التطور ليس فيما يصنعه العقل البشري من مصنوعات مادية وليس فيما يهتدي إليه من علوم، ولكن في طريقة تأثره بذلك كله، ومدى ارتفاعه أو انخفاضه في مقياس الإنسان الذي يختلف عن مقياس الحيوان.. إنما التغيير الحقيقي هو الذي يأتي من داخل النفس..من أفكارها .. من مشاعرها.. من نظرتها إلى ذاتها.. وإلى ماحولها..من تحديدها لمهمتها وأهدافها ..من تقديرها لدورها ومركزها..هذا هو التغيير الحق : وليس السيارة أو الطائرة أو الحمار.


6ـ و إن منهج النبوة الذي غدا منهج حضارة هو الذي تميزت به حضارتنا عن غيرها ،وهذه المعالم التي تميزها هي ذاتها معايير التجديد لهذه الحضارة عندما يصيبها الجمود،وهي ضوابط النهضة لها إذا عدت عليها عوادي الإنحطاط.


7ـ وأصول الأزمة الحضارية في واقع المسلمين : يمكن إجمالها في كبائر الإثم التالية :
1 :التغريب 2 : التجزئة 3 : استبداد دولةالتجزئة
4 التبعية 5 :الإستسلام للتحديات الصهيونية.


8ـ  وإن هذا التصدع في جسم الأمة على مستوى الأنظمة وعلاقتها بمجتمعاتها الأهلية وعلى مستوى المجتمعات الأهـلية نفسها..وفي المجال الإسلامي العالمي وفي المجال القومي العربي، إن هذا التصدع والتناحر والتنابذ هو انتحار ذاتي وإجهاز على الذات وعلى مكوناتها وعلى إمكانات الصمود أمام المشروع الصهيوني الإستعماري فضلا عن التصدي له..ويبدو أن مواجهة الواقع الدولي بهذا الواقع هو محاولة ميؤوس من نجاحها وتبدو نذر الهزيمة والإنكفاء واضحة للعيان..إن نجاح مواجهتنا يتوقف على تركيب بنيوي جديد لكل القوى..إن المعركة طويلة ومساحتها العالم الإسلامي كله ولا يمكن أن يكتسبها فريق واحد وحده إنها معركة الأمة الإسلامية ولا بد أن تخوضها بكل قواها وسيكون لها النصر بإذن الله إذا وفرت شروط النصر.


 9ـ  فلقد سعى الغرب إلى فرض رؤيته الخاصة ومعاييره الثقافية على باقي الشعوب،معمما عليها نمطـه الخاص في التفكير والسلوك، وذلك دعما لهيمنته الثقافية في ظل هيمنته الإقتصاديةالمتمثلة في السيطرة على رؤوس الأموال والأسواق التجارية والشركات العالمية، وهكذا يصير النظام الثقافي الجديد عبارة عن الخصوصية الثقافية للغرب معممة على غيره من شعوب العالم، مما يفضي حتما إلى تجريد الإنسانية من التنوع الثقافي والتعدد الحضاري الذين تنبني عليهما الخصوصيات التي تتميزبها هاته الشعوب وتستمد منها عناصر طاقاتها ومعاني وجودها وأسباب عطائها.


 10ـ  لكن كلما انحصرت إشكاليات النهضة »الإسلامية » في طلب زحزحة الغرب من موقعه طمعا في احتلال هذا الموقع :صار الغرب يمثل سقف طموحنا فضاقت سبل الإبداع أمامنا وصرنا نذكر مقاصد غيرنا في الكون،وسهل علينا اقتباس وسائل لاتخدم مقاصدنا.. وإن  الإعتراض على العولمة هو في جوهره اعتراض على أصولها الميتافيزيقية،وتعبير عن رغبة صادقة في الخروج من تاريخ الغرب، هذا التاريخ الذي يعتبر محق الغيب ونفي الطبيعة شرطين أساسيين من شروط تحققه..وحري بالعقل الذي يسلم بالحقيقة القرآنية أن ينتفض ضد كل عقل يدعي التأسيس لوجود ولتاريخ مطـلـقين، حتى يتمكن من دعوة البشرية الحائرة إلى التاريخ المطلق الحقيقي الذي لايتجسد في تجربة حضارية واحدة معينة..وإذا كان لا بد من الصراع لزم أن يستعد العقل العابد للتصارع وفق مقتضى الوحي.


11ـ  لكن علينا أن نرفض تحويل الدين إلى شيطان، فإذا اعتبرنا الدين خطرا فإننا سنصل إلى إدانة كل موقف ديني..وهنا سنسقط في التمامية الملحدة..ولكن الخطر الحقيقي لايأتي من الدين بل يكمن في النذالة البشرية.


12 ـ وتملك حضارة الإسلام المقدرة على تحويل الوسط الذي تمتد إليه وتزدهر فيه، وتهيء أحوالا للحياة يحسدها الكثير من معاصرينا :حتى أولئك الذين يعيشون في أكثر البلدان تقدما.. فوق ذلك يضفي طابعها الروحي مناخا مقدسا يؤكد معنى عميقا لحياة المجتمع .. وقد تعددت العلوم في الحضارة الإسلامية .. وقدأبدى المسلمون في عصورهم العظيمة نهما كبيرا بالعلم .. ولم تنفصل العلوم المختلفة في الحضارة الإسلامية ،بل اتصلت في وحدة عضوية.. وأظهر العالم الواحد عبقريته في علوم عديدة .. لكن ماذا بقي من هذه الحضارة العظيمة المتوازية والمتناسقة والنقية؟ والتي بالإضافة إلى تعريفها للمرء جمال العالم هيأت له كل الفرص لتحقيق ندائه الباطني بالسمو والإرتقاء.


13 ـ وإن موروثنا الحضاري ليس مجموعة أجزاء مبعثرة ،وليس مجرد وحدات مستقلة بذواتها : إنه « نسق فكري وإبداعي محكوم بمنظومة قيمية وعقدية » وهذا ما يمكن تسميته « بالأصولية الإسلامية »وهذه المرجعية الأصولية كمبدأ..هي الثابت الذي يجب أن نراهن عليه لبناء حاضرنا والتخطيط لتطلعات مستقبلنا...لكن.. :إن رغبتنا الملحة في التخلص من هيمنة المرجعية الغربية ينبغي ألا تسقطنا في هيمنة المرجعية الثراتية .


14ـ  وثمة في معرض إعادة بناء الفكر السياسي مهمة لامناص من إنجازها وهي كسر احتكار تمثيل الأمة الذي يزعمه لنفسه كل تيار من تيارات السياسة والفكر السياسي في الوطن العربي والذي يعبر عنه بالقول بامتلاك البديل الشامل.


15ـ  ومن الملاحظ أن هاته التيارات « الإسلامية » من خلال وظيفتها المحدد ة في المواجهة لـ : « الإستعمار أو الدولة الحديثة » لاتفلح في غير ذلك ، فبنيتها لاتشتغل إلا إذا تم تحريضها من الخارج، بمعنى أن نشاطيتها مرتبطة بالإستفزاز والتحدي. فالوظيفة هنا تنحصر في رد الفعل : فهي إذن وظيفة هدمية :لذلك نجد هاته التيارات تصل أوج فعاليتها في أجواء الشدة والتأزم، ولكن بمجرد أن تنفرج الأوضاع ويغيب مصدر الإستفزاز والتحدي : تخفت نشاطية هاته التيارات..ولا شك أن ـ الطموح الأعلى للإسلام ـ يعوقه شيوع نمطية ساذجة عن الإسلام، تحصر رسالته في الخصوصية تارة وفي الأصالة والثرات تارة أخرى.


16ـ  لقد أثبتت التجربة أن من غير الممكن معالجة هاته القضايا من خلال جماعة بعينها تكبر وتكبر سنة بعد سنة لتصبح هي الأمة كلها ..أو تبدأ بتحرير قطر بعينه: لتصبح هي الدولة ..فترسل الجيوش لفتح بقية الأقطار: وتوحد الأمة في دولة موحدة..فالمعالجة يجب أن تأخد بعين الإعتبار هذه الحقيقة بل وتبدأ منها فلا تقع في الوهم...وإن ما يمكن أن يحقق إن استعصى مفهوم التضامن أن يثبت رأي عام في طلب التضامن والوحدة وردم الفرقة، لكن يتطلب الأمر هنا : اتباع سياسات دقيقة وحكيمة تطـفئ نيران الخصومات الداخلية ولا تصب الزيت على نارها....وهذا ما يفرض لكي تكون مسألة بناء أوسع  جبهة شعبية في قلب كل مشروع نهضة  ..مما يقضي بالبحث عن صيغ مناسبة لتمثيل المجتمع حقيقيا في واقعه الراهن.


17ـ  وقيمة قوة الإسلام هو أنه لم يحدد أشكالا تنظيمية، بل تركها للجميع لكي يبحث حسب كل زمان ومكان عن الشكل التنظيمي المناسب،أي الضوابط العامة للإشتغال.


18 ورسالة الإسلام مؤهلة أكثر من غيرها للعب دور ريادي في هذا المعترك لقدرتها على انتشال الإنسان من كل أشكال الإستلاب بعد « تحريره » : « إخراجه من العبودية للمخلوق إلى الحرية في الخالق ».. »وتنويره » : »إخراجه من الظلمة إلى النور  .


19 وانتصار الأمة الإسلامية في معركة الإحتواء الحضاري رهين ـ بعد نصر الله وتوفيقه وحفظه ـ بمدى رشد طـليعتها المتمثلة في الدعاة..أي بمدى قدرتها على أن تكون في مستوى الإسلام إدراكا لحقيقته وآدابه وحكمته، وامتثالا وعملا بتلك الحقيقة وتلك الآداب.. ومدى إدراكها وفقهها لسنن التغيير الحضاري ..وإقامة الحجة على أبناء العصر بلغة العصر.. وواضح أن إقامة الحجة ينبغي لها ـ بالإضافة إلى العلم بأصول الدين وآداب الدعوة ـ العلم بمواطن الداء والخلل في جسم الأمة وترتيب الأولويات في عملية علاجه..إذ أن كل تقديم أو تأخير أو إستعجال أو تلكؤ أو خور يترتب عنه اضطراب..فيفسد الدعاة من حيث أرادوا أن يصلحوا ويسيئون من حيث أرادوا أن يحسنوا .


20 ـ  إذ يتطلب من الرافضين جبهة التغريب البحث عن صيغة مناسبة لتوحيد المجتمع.. بما في ذلك أغلبية القوى الإجتماعية التي انتسبت إلى الحداثة الغربية ، وتغربت في حياتها وفكرها وواقعها الإجتماعي والإقتصادي.


21 ـ  فالمدافعين عن الإسلام لاينقصهم غالبا الحماس والإخلاص وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه...وإن الإستعجال كان وراء متاعب كبيرة وخسائر ثقيلة للدعوة الإسلامية بل ربما زاد خصومها تمكينا وضراوة..فما موقف المسلم في هذا العصر الذي تطورت فيه الحروب فانتظم جهازها في كل شيء، وتوقح فيه الأعداء حتى قرروا نفض أيديهم منا والبناء على أنقاضنا؟


22 ـ فالحضارة فعل تركيبي قوامه الإنسان+التراب+الزمن :الإنسان باعتباره كائنا إجتماعيا والتراب بخضوعه لضرورات فنية معينة.. والزمن بإدماجه ضمن العمليات الإقتصادية والإجتماعية والصناعية ، ومن هذه العناصر تتحقق الحضارة .


23ـ وإن هناك معنى عاما للحضارة: يفهم من مدلول الكلمة نفسها: وهو جملة مظاهر الرقي المادي والعلمي والفني والأدبي والإجتماعي...وهناك ثلاث مستويات للمفهوم الإسلامي للحضارة : ــ الفقه الحضاري ــــ السلوك الحضاري ــ البناء الحضاري .


24 وما نظرية وحدة الحضارة إلا رأي خاطئ....أوحى به مظهر الحضارة الغربية.. 


25 وإنه لمن الخطإ أن نظـن أن سقوط حضارة الغرب يعني حتما صعود الحضارة الإسلامية: فليس من أخلاق المسلم أن ينتظر سقوط الحضارات والثقافات.. بل يجب أن يبذل كل ما في وسعه من أجل إنقادها وردها للطريق الصحيح بكل ما أوتي من إمكانات...وإن خطاب كثير من دعاة هداية الناس يقتصرون في غالب الأحيان على المجتمعات التي تنتمي تاريخيا للإسلام مع الإغفال الشبه التام للمجتمعات البشرية الأخرى.


26 فالبحث يجري في عالم اليوم عن إنتاج هوية ذات صبغة كونية :حيث تكتسب بهاته الصفة قدرا أكبر من الشرعية، وعليه فإن هاته الهوية الكونية : هوية ملاقات الحضارات:لا يمكن أن تكون في الحقيقة إلا هوية سفلى ::لأن الثقافات لاتسير نحو الإنصهار بل تنحو نحو القطبية.


27 ويجب ان نعترف بأن نسيجنا الفكري والتكويني يتحـطم داخلنا وإننا ـ كمسلمين ـ نبتعد عن الهيكل الـبنائي الثقافي الذي تقوم عليه الذات العربية الإسلامية، وإننا لانواري ذاتيتنا الحضارية فقط ،وإنما نحاول أن نمحوا معالم هاته الذات وينابيعها .. وتخلف العالم الإسلامي ليس في فقره ، ولكن في تبعيته الحضارية.. وفي اغتصاب خيراته ليكون في موقع الحاجة الدائمة : وذلك بتدمير الخصوصية الحضارية للذات الإسلامية ، وإعادة صياغتها ضمن قوالب غربية.


28 والإسلام دين موجه لكل البشرية، ولا يمكن له بهذه الصفة أن يكون عامل تصادم بين الحضارات بعد أن كان :مستوعبا لما صلح من الحضارات السابقة. 


29 وإن الحضارة الإسلامية ليست تراثا من ثرات.. وليست حلقة منفصلة من حلقات التاريخ ،وإنما هي الماضي الذي يعيش فينا.. والحاضر الذي نتفاعل معه.. والمستقبل الذي يصنع منا .. وإن تجديد بناء صرح الحضارة الإسلامية لتستأنف دورتها التاريخية وتواصل عطاءها الإنساني الخير، لابد وأن ينطلق من عقيدة راسخة، ومن اقتناع عميق بضرورة التغيير العقلي الرشيد ، وبوجوب القيام بعملية نقد ذاتي : لاستبصار سبل الرشد الحضاري، ولمعرفة ما يستوجبه منا العصر من حركة فاعلة مؤثرة ...فليس ثمة من سبيل للنهوض بالحضارة الإسلامية إلا امتلاك وسائل الإنطلاق الواعي والمتفتح والمسؤول : على هدي من ثوابتنا الحضارية ومتغيرات الحاضر وإحتمالات المستقبل ..وما من حضارة وهي تتحدى على الدوام لتبقى، فإذا لم تتحد تراجعت وتضاءلت وانهارت مثلما انهارت حضارات قامت وسادت ثم بادت .وما من تحد حضاري إلا ويواجه بتحد حضاري متوازن معه..فهل نحن في المقام الذي يهيئ لنا أن نرد التحدي الحضاري الذي يواجهنا اليوم بتحد مماثل؟؟؟


30وقد أصبح لزاما على كل مهتم بالحوار الديني اليوم ... :الإطلاع على القيم الإسلامية في مصادرها الثابتة وعلى تاريخ الإسلام الحضاري الذي رسخ تلك القيم في مجتمعاته لاسيما المجتمعات التي اخـتلط فيهـا المسلمـون بغير المسلمين.... والحـوار بين الأديان يجـب أن ينطـلـق من المعـرفة الصـحـيحـة والحـكـمـة والـتبصر والتواضع لأن الإسـتعلاء والكراهـية والتعصب هم أعداء كل حوار هادف وبناء .


31 فعلينا أن ننظر عاليا وبعيدا لنخـطط لحركة الإسلام، ونقودها في ساحات الجهاد، يجب أن نصحح المنطلق لئلا نتشتت على سطح الأحداث،آن لأمتنا أن تطمح طموحا عالميارغم قصورنا الحاضر وانهزامنا الحضاري المؤقت.


32 فلابد من إعادة ترتيب للعقل الإسلامي المعاصر: حتى يتمكن من تحقيق النظرة الكلية للأشياء ، والقدرة على تصنيف المشكلات ووضع سلم منضبط لقضية الأولويات، وتوفير الجهود والطاقات، وتوجيهها إلى المجالات المجدية من خلال الصورة العالمية بكل تعقيداتها وتشابكها ، وتطوير وسائل الدعوة إلى الله بما يقتضيه الحال ، واختبار الأسلحة القديمة، لأن بعضها أصبح يتحرك في الفراغ، يصول ويجول في معارك وهمية..لقد تبدلت مشكلات العالم، وتبدلت أسلحته ونحن مازلنا نصر على مواجهة المشكلات الجديدة بالأسلحة القديمة...فلا بد من إنتهاء أحلام اليقظة من حياتنا، والوصول إلى اليقظة الحالمة،بكل مقوماتها : إن الجيل المسلم اليوم أحسن الدخول في سن التمييز لكنه إلى الآن لم يخرج منه، للإنتقال لمرحلة الرشد.


33 فلا شك أن التحدي المرجعي يتطلب الإستهداء بقواعد النظر والكليات المنهجية التي أصلتها الرؤية القرآنية، وتستدعي الوعي الد قيق بالمستجدات والمتغيرات التي تطرحها حركة الأفكاروالنظم المعرفية في عالم الإسلام بامتداداتها العالمية.. ويفرق القرآن بين النقد العلمي الشامل والكشف الثقافي عن زيوف الأفكار والمعتقدات في المستوى البياني العام،وبين الرصد الموضوعي والميداني لحركة هذه الأفكار والمعتقدات في الواقع...مما يستوجب تعددا وتنوعا في أساليب التعاطي مع هاته المنظومات وتجلياتها في الواقع.....ويلح القرآن ويدعو الى التفاعل الميداني، والتكيف الإيجابي مع التوازنات الفكرية والإجتماعية الخارجية والداخلية،وإلا كانت الفتنة والفساد الكبير....كما يستشير الخطاب القرآني المرجعيات المخالفة، ويدعو حملة الأفكار والمعتقدات الأخرى إلى البرهانية والعلمية كقاعدتين للتفاكر والتحاور..ومن موقع هذه المدركات يدعو إلى التوافق على الكلمات السواء، فالكلمة السواء مفهوم قرآني مفتوح على مفردات الحق والمصلحة.... فبالكونية القرآنية نعيد لحركية الإنسان معناها الروحي ومغزاها الفطري،حيث الكدح من الشهود إلى الغيب..وبالكونية القرآنية يستعيد الإنسان ثنائيته الضائعة باستعادة شطره الذبيح : شطر الروح  وتحريره من سلطـة السوق والشهوة.


34 ويقول القرآن بالتطورليبين لنا أن خلق الأطوار له غايةهي بعينها: إخراج الطور الروحي من الطور الجسدي.. وإفناء هذا الجسد بالموت يحرر الكائن الأخروي،ومن ثم يبعث هذا الكائن الروحي في عالم خاص به ولهذا لايمكن أن يومن المسلم حقا  بالبعث حتى يومن بالتطور :إذ لايمكن أن يخلق الطور الأخروي إلا بالتطور الخالق..وإن الله يشرح لنا هذا ليقول لنا بأن الوعي بالأهداف التي تسعى إليها الصيرورة والتطور يحتم علينا الشعور بالواجب ،وهو مسؤولية الإنسان التي سيحاسب عليها أمام ربه،..وهكذا تبين أن القرآن علمي النزعة،بل هو أول المبشرين بالمنهج الطبيعي..ولو كان للإنسان نظر في القرآن لتبين له أهم المبادئ التي تقوم عليها العلوم المادية المعاصرة، وأن هذا المبدأ هو أول مبادئ المعرفة،وإن القرآن عندما يدعونا للفكر يقدم لنا العموميات في ثوب الخصوصيات.. وتهلك الأمم في التاريخ الحضاري فيقول إن هذا الهلاك له سنة..وهكذا لم يفرط القرآن في شيء{مافرطنا في الكتاب من شيء} كي لاتكون للجاهلين حجة، وقد آن الأوان أن ننظر في كتاب الله العزيز بنظرة مختلفة لنعرف الطريق الحق إلى الله سبحانه .


35 فقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم ليكون القرآن معجزة العلوم الكونية لزمن كوني لايعلم نهايته إلا الله: حيث سيكون الإنسان أمام أسئلة لا إجابات عنها دون الإستعانة بالقرآن الكريم، وهذا هو الإعجاز الذي سيكتشفه العلماء ولو بعد حين من الدهر.


36فالإصلاح  في الإسلام يبدأ من كل شيء لكن بإصلاح النفس أولا : إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
والسياسة وحدها غير كافية للإصلاح بالمعنى القرآني الكامل.. وغالبا ما تبدأ الأحزاب بالدفاع على المبادئ لتنتهي بالدفاع فقط على المصالح..وتنفي الواقعية السياسية مبادءها الأولى.. لهذا فالإصلاح بالإسلام يجب أن يكون إصلاحا بالقرآن كله وبالسنة كلها و بكل استيعاب لهويتنا الحضارية ماضيا وحاضرا ومستقبلا.. وللإنسانية كلها..مما يعني توظيف كل الحق وكل الخير لخير الإنسانية جمعاء..وهذا يحتاج لنهضة حضارية كاملة غير منقوصة ..وإلا لن نتحدى أزمتنا إلا بالإصلاح نفسه كأزمة.. وسنظل ندافع على فهمنا الذاتي للإسلام لا على كل الإسلام.. وتجاوز هذا لن يتم إلا بالعمل قرونا كما تخلفنا قرونا..وقد بدأنا من قرون.. فآن لنا أن نجني كل هذا التراكم الإسلامي المصلح.. لكن بكل علمية.. وبكل وعي بكل المتغيرات والثوابت.. فحلكة أزمتنا القاتمة اليوم تبشر بشعاع الفجرالقريب الذي أصبحنا نراه ولو بالمكبرات.. وبالرغم من كل إلتباسات ربيع العرب..
فقد آن أن نكون حقا مسلمين .
وقدجمعت هاته المبادئ من ثلة من كبار أدمغة الفكر العربي : إلا المبدأ الأول والمبدأ الأخير فهما لمؤسس المدرسة:
ويقول الله سبحانه و تعالى في سورة النساء آية 61 :
« ألم تر إلى الذين « يزعمون أنهم آمنوا » بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن  يتحاكموا إلى الطاغوت  وقد أمروا أن « يكفروا به »، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإذا قيل لهم « تعالوا إلى ماأنزل الله وإلى الرسول » رأيت « المنافقين » يصدون عليك صدودا »
« أفحكم الجاهلية يبغون ؟ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ »صدق الله العظيم

سابعا :من خصائص فقهنا الحركي :إضغط رجاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق